الجمعة، 22 أغسطس 2008

هل فوائد البنوك الاسلامية .. ربا ؟


أكثر ما يفزع المرء أن يدخل في جدال فيصطدم بالحائط
خصوصاً مع من يعتبرهم ذوي عقل بل وعلم
والأدهى أن تكون على صواب 100%
وتملك الحجة والدليل والبرهان
لكن تجد من أمامك يهاجمك
ولان الاعتزاز هو التقهقر في معركة كلامية خاسرة
فلقد حاولت إنهاء الحوار
لكن طبعي يغلب ما أحاول التطبع به
فأنا لا استسلم أبداً
خصوصاً فيما يخص الأفكار السلبية والمغلوطة
والحوار تلك المرة كان مفاجئاً (كالعادة) عن البنوك الإسلامية
وإذ بأحد الأصدقاء يجزم بحرمة تلك البنوك (دون علم أو وعي)
بل ويحرمها على الإطلاق دون سند شرعي
ثم ما لبث أن انضم إليه آخرون يوافقونه رأيه الخاطيء
وكانت المناقشة عنيفة لدرجه لم أكن أتوقعها
والتي حاولت جاهداً خلالها أن أوضح وجهه نظري
لكننا للاسف يبدو أننا تعودنا على أن لا نسمع بعضنا البعض
وهي ثقافة شعب تحتاج إلى تغيير جذري
لذا استفزتني جدا تلك المناقشة وتلك المفاهيم (الغبية والرجعية )
التي تنتشر في مجتمعنا كالنار في الهشيم
فكل شيء حرام كان أو حلال نتجرأ على أن نجزم به دون دليل
وهي كارثة
المهم أن من تناقشه وتحاول إقناعه بالصواب
يقول لك بكل ثقة "هو كده " !!
لذا وجدت أنه من واجبي توضيح وتصحيح تلك المفاهيم
بشكل مبسط وعلى قدر علمي
لمن يريد أن يعلم ومن ألقى السمع وهو شهيد
________________________

الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين
و أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم

في البداية يجب توضيح أن الخدمات المصرفية (الإسلامية) ترتبط بأحكام الشريعة وبعقود شرعية مدروسة وهو أمر مستحدث لان البنوك ليست فكرة إسلامية بالأساس ولم تذكرها المصادر والمراجع الفقهية كالمغني وروضة الطالبين والمدونة .. لكن أن احتياجات المسلمين دفعت بعض أصحاب (العقول ) إلى تطوير فكرة البنوك بشكل إسلامي (حلال) لذا أسسوا مصارف إسلامية كبديل للمصارف التجارية (التي والله اعلم ربوية رغم أن بعض العلماء الثقات اعتبره من الضرورات في هذا العصر والله أعلم ) .. تلك البنوك الإسلامية التي يقول عنها بعض المتشددين والمتخلفين من المتنطعين أنها من قبيل التشبه بالكفار رغم أن اتخاذ وسائل التعامل وتنظيم الحياة شأنا عاماً ليس له علاقة بالعقيدة وأن المسلمين مأمورين بالابتكار والاختراع والتفوق وقيادة العالم .. لكن يبدو أن هؤلاء يغطون في نوم عميق.

والبنوك الإسلامية تقدم خدماتها المصرفية أساساً بهدف سامي إسلامي شرعي وهو التخلص من التبعية الاقتصادية لغير المسلمين فهي جاءت لتقوم بالخدمات التي تحتاجها الشعوب الإسلامية فإن لم يكن هناك بنوك إسلامية فسوف يضطر المسلمون إلى التعامل بالربا .

وهناك مصادر تمويل للبنوك الإسلامية وهي :-

مصادر داخلية
أولها رأس مال البنك (الفرق بين البنك الإسلامي والربوي أن أصحاب رأس المال شركاء وليسوا دائنين للبنك في حالة البنك الإسلامي بينما هم دائنون للبنك في حالة البنك الربوي).
الأموال المحتجزة من الأرباح (الاحتياطات النقدية) حيث يحق للبنك أن يحجز الأرباح ليحمي رأس المال فلو كان ثمة أرباح وحصلت خسارة فيما بعد فإن الخسارة تغطى بالأرباح وهذا يكون باتفاق منذ البداية بين البنك والعميل ولدينا في الفقه الإسلامي في شركة المضاربة لا يأخذ المضارب الربح حتى يأذن رب المال لأنه قد يجعل الربح في ضمان رأس المال بسبب الخسارة التي قد تحدث .
ومصادر خارجية
أهمها الودائع لأنها أكبر مصدر خارجي هو الودائع فالبنك الإسلامي عامة أمواله ودائع للناس الوديعة الاستثمارية (حساب التوفير) .. والوديعة تحت الطلب (الحساب الجاري) .. والوديعة الادخارية ( أن تضع أموالك لفترة زمنية طويلة فتدخرها وتأخذ عليها أرباحا) وغيرها .

وتكون الخدمات الإسلامية المصرفية تحت تدقيق ومتابعة الهيئة الشرعية للبنك ووظيفتها أن تخرج الخدمات والمعاملات التي يقدمها البنك الإسلامي تخريجا شرعيا ضمن هذه العقود السبعة وربما غيرها أيضا بشرط أن لا يكون فيها تحايل ولهذا أبدى بعض العلماء رأيا وجيها وهو ضرورة أن تستقل الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية عن إدارة البنك حتى لا تلجأ إلى الحيل لإباحة ما هو محرم .

__________________

ونخلص من ما تقدم أن الفوائد المتغيرة على أرباح البنوك الإسلامية حلال حلال حلال
لان تحريم الربا جاء كون الربا عقد مشروط بالزيادة في رأس المال
وهو عقد فاسد وباطل لان الربا في اللغة هو الزيادة التي قال عنها فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي (جمهور الفقهاء استندوا في تحديد معنى الربا إلى نص القرآن حيث يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) "البقرة:278" ثم يقول (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون) "البقرة:279" فدلت الآية الكريمة على أن ما زاد على رأس المال فهو ربا قل أو كثر فكل زيادة مشروطة مقدمة على رأس المال مقابل الأجل وحده فهي ربا وتحديد الربا الذي حرمه القرآن لا يحتاج إلى شرح أو تطويل فلا يتصور أن يحرم الله على الناس شيئاً ويتوعدهم بأشد الوعيد على فعله وهم لا يعلمون ما هو وقال تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) "البقرة :275" وحرف التعريف هنا في لفظ (الربا) – سواء أكان للعهد أم للجنس أم للاستغراق – واضح الدلالة على حرمة الربا كله ولو كان غامضاً لبينه الله لهم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .. فالربا أمر معروف تعامل العرب به في الجاهلية وتعامل به غيرهم وعرف به اليهود من زمن بعيد وسجله عليهم القرآن في سجل جرائمهم (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) (النساء:161) ولو كان هذا الربا الذي حرمه الله عليهم غامضاً لسألوا عنه حتى يعرفوه فقد كانوا أحرص الناس على معرفة دينهم).
_____________________________

أن مشكلتنا المعاصرة تتلخص في جمود النص ورسوخ ثوابت وأصنام لا نريد تغييرها رغم أنها قد تكون (سنة حسنة لمن سنها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين) .. والبنوك الإسلامية ليس بها شبه تحريم في فوائدها كونها متغيرة تتغير طبقا لنسب الربح والخسارة ويتم توزيعها أو حجزها في حالة الخسارة وبذلك يشترك المودع مع البنك في الربح أو الخسارة كونه يكون مستحقاً لأرباح فتحجز عنه لتعويض الخسارة التي نشأت عن التجارة والبيع والمضاربة والتي هي حلال .. فالفرق كما أسلفت في الذكر أن العميل في البنك الإسلامي هو شريك ويكتب عقداً بالشراكة مع البنك أما في غيرها من البنوك فيكون العميل دائناً للبنك بمبلغ الإيداع أي أنه يضع مبلغاً مقابل الحصول على فائدة ثابتة من رأس ماله بنسبة 8 % مثلا قبل أن يقوم البنك بأي تشغيل لتلك الأموال أي أن العقد مشروط بالزيادة على رأٍس المال وهو حرام .. أما البنوك الإسلامية فلا يعرف العميل (الشريك) ما هي نسبته من الأرباح فهي مرة تكون 1% ومرة أخرى تكون 2% فهي ليست مشروطة والعقد شرعي وصحيح وإن شاء الله هي حلال طيبة .

والله أعلى وأعلم

اللهم إني أعوذ بِكَ أن أضِلَّ أو أُضَلَّ
أو أظْلِمَ أو أُظْلَمَ
أو أجْهَلَ أو يُجْهَلَ علي

هوامش :-
من أدق تعريفات العلم أنه الوصف المطابق للواقع .. مع الدليل
أما الجهل فهو وصف لا يطابق الواقع ( الواقع شيء ، والوصف شيء آخر )
فهو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه
لذلك يقول الإمام الغزالي
" لأن يرتكب العوام الكبائر أفضل من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون"

ليست هناك تعليقات: